خطبة مؤثرة عن أسس بناء الشخصية المسلمة
خطبة عن أسس بناء الشخصية المسلمة
بسم الله الرحمان الرحيم
عناصر الخطبة:
- اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم ببناء الشخصية المسلمة
- أسس بناء الشخصية المسلمة
- اهتمامات بناء الشخصية المسلمة
اقتباس من الخطبة:
- لقد أولى رسولكم صلى الله عليه وسلم اهتمامه بالعناية ببناء الشخصية المسلمة، فكان معلما ومربيا ناصحا ..
- وكان من اهتماماته صلى الله عليه وسلم في التربية وبناء شخصية المسلم اهتمامه بالتحلي بالخلق الحسن الجميل والتمسك بالقيم النبيلة ..
الخطبة الأولى:
إن الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أما بعدُ:
أيها المسلمون: إن خير الوصايا تقوى الله، وهي وصية الله -تعالى- للأولين والآخِرِينَ؛ قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ).
أيها المسلمون: لقد أولى رسولكم صلى الله عليه وسلم اهتمامه بالعناية ببناء الشخصية المسلمة، فكان معلما ومربيا ناصحا، والذي قال الله -تعالى- فيه، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
وهذه معالم وركائز في التربية والتعليم والتزكية والحث على مكارم الاخلاق ومعالي القيم، حري بكل مربٍّ أن يسلكها في تنشئة الأجيال وبناء شخصياتهم:
أولًا: الاهتمام الأكبر ببناء العقيدة الإيمانية في نفوس الناشئة منذ نعومة أظفارهم وحداثة أسنانهم؛ فعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، «فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا» (سنن ابن ماجه (1/ 23)، حَزَاوِرَةٌ: أي أشداء أقويا قاربنا البلوغ ، وهنا لا بد أن نركز على أصول الإيمان وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره .
ويقول ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا؛ فَقَالَ: يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُف"(سنن الترمذي ت بشار (4/ 248). وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»(سنن أبي داود (3/ 190).
ومن الاهتمامات -أيضا- التركيز على أمر الصلاة تعليما وترغيبا وترهيبا؛ فعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَحِيمًا رَقِيقًا، فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، فَسَأَلَنَا عَنْ مَنْ تَرَكْنَا مِنْ أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»(صحيح مسلم (1/ 465)، "وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" (صحيح البخاري (9/ 87). وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» (سنن أبي داود (1/ 133).
وكان من اهتماماته صلى الله عليه وسلم في التربية وبناء شخصية المسلم اهتمامه بالتحلي بالخلق الحسن الجميل والتمسك بالقيم النبيلة؛ قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ" (صحيح البخاري (7/ 68).
ومن الاهتمامات وركائز التربية والتنشئة وبناء الشخصية المسلمة التركيز على تقوى الله؛ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: اتَّقِ اللهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ. سنن الترمذي ت بشار (3/ 423).
أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا.
أما بعد -أيها المسلمون- اتقوا الله -تعالى- حق التقوى، واعلموا أن من الاهتمامات في بناء الشخصية المسلمة تحقيق التوازن بين الروح والجسد؛ فلكلٍ احتياجات، والتوازن هو المطلوب لا تفريط ولا إفراط؛ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، يَقُولُ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»(صحيح البخاري (7/ 2).
فاتقوا الله -عباد الله- واحرصوا في بناء الشخصية المسلمة الصحيحة في أنفسكم وفي أولادكم ومن تحت تربيتكم؛ قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
هذا وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اعداد والقاء الخطيب ذ. خالد الكناني