خطبة بعنوان : الإيمان تحلية وتخلية (تسديد التبليغ)

خطبة بعنوان: الإيمان تحلية وتخلية (تسديد التبليغ)

خطبة بعنوان : الإيمان تحلية وتخلية (تسديد التبليغ)

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

الخطبة المقترحة ليوم الجمعة27 محرم 1446 هـ / 02 غشت 2024 م

الخطبة الأولى:

الحمد لله ربِّ العالمين، نحمدُه حمداً يليقُ بجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشكره شكراً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي السَّاعة بشيراً ونذيراً، مزكياً للنَّاس بأصُول الإيمان، ومعلِّماً إيَّاهم أركان الإسلام، ومحسِّناً أخلاقهم بجوهر الإحسان، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله الطَّيبين الأخيار، وصحابته المهاجرين والأنصار، والتَّابعين لهم بإحسان.

أمَّا بعدُ؛
 لقد سبق منَّا البيان في خطبة الجمعة أنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ، وها نحنُ نبيِّنُ في هذه الخُطبة أن الإيمان بالإضافة إلى كونه قولاً وعملاً فإنَّه كذلك حالٌ؛ سمَّاها القرآن الكريمُ بالتَّزكية، وقد تحقَّق في الصَّحابة رضوان الله عنهم بتربية رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، وحثَّهم على الاستجابة والتَّقوى والاستقامة.
 إخوة الإيمان: لقد بعث الله نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم واضعاً أسس رسالة الإسلام: بتلاوةِ آياته، وتزكيةِ عباده، وتعليمِ كتابه وحكمته. فقال جلَّ شأنه: ﴿هُوَ اَ۬لذِے بَعَثَ فِے اِ۬لُامِّيِّـۧنَ رَسُولاٗ مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمُۥٓ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ اُ۬لْكِتَٰبَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [1]

يُبيَّن الله تعالى في هذه الآية الكريمةِ وظائفَ النُّبوة، وهي الوظائف التي ورِثها العلماء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمَّته من بعده.
  • أولها: تلاوة الكتاب على النَّاس، وهدايتهم بآياته، وتحليتهم بجميل الأخلاق،
  • وثانيها: التَّزكية لهم بالإيمان، وتطهيرُ قلوبهم من أنواع الشِّرك المختلفة، وأخطرها هوى النَّفس الأمَّارة بالسُّوء،
  • وثالثها: تعليم الأحكام من الكتاب والسُّنة.
 وكلُّ هذه الوظائف لا ينفصل بعضها عن بعض، وإنَّما هي كلٌّ يصنع الشَّخصية المسلمة المتوازنة، التي تجمع بين حُسن القَول، وصَالح العمل، وصِدق الحال.

لقد أمضى النَّبي صلى الله عليه وسلم مدَّةً طويلةً في تزكية القُلوب بالإيمان، وتقوية النُّفوس للانتصار على الأهواء، وتخليصِها من كلِّ مظاهر الشِّرك خفيه وجليه؛ فتحررت بدعوته صلى الله عليه وسلم النُّفوس تحرراً حقيقياً من الأنانية، والأثرة، وحبِّ الذَّات، وتذلَّلت تذلُّل المطيعِ لله ربِّ العالمين، فكانت في أسمى معاني الحُّرية المُوجبةِ لخوف الله تعالى والإعراض عمَّا سواه، كما قال الحَّق سُبحانه: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَي اَ۬لنَّفْسَ عَنِ اِ۬لْهَو۪يٰ ٣٩ فَإِنَّ اَ۬لْجَنَّةَ هِيَ اَ۬لْمَأْو۪يٰۖ﴾ [2]

والمتأملُ في سير الصَّحابة رضي الله عنهم، وهم الذين صُنعُوا على عين النَّبي صلى الله عليه وسلم، تزكيةً وتعليماً ومتابعةً، يجدهُم قد صاروا أناساً آخرين، في غير الحال التي كانوا عليها في الجاهلية، رحماء بينهم، متحابِّين، صادقين في معاملاتهم، باذلين لأموالهم في سبيل الله، كما قال الله تعالى: ﴿وَالذِينَ تَبَوَّءُو اُ۬لدَّارَ وَالِايمَٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِے صُدُورِهِمْ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُوثِرُونَ عَلَيٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٞۖ وَمَنْ يُّوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُفْلِحُونَۖ﴾ [3]

واعلموا عباد الله؛ أنَّ السِّر في تحقق هذه الحال؛ هو عمقُ إيمانهم، وتخلُّصهم من دواعي النَّفس والهوى والشَّيطان. والموفقُ من اقتفى أثرهم، واستلهم من سيرهم، وتخلَّق بأخلاقهم.
نفعني الله وإيَّاكم بالكتاب والسُّنة، وهدانا بمحض الفضل والمنَّة، وجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهُمُ الله، وأولئك همُ أولوا الألباب. والحمد لله ربِّ العالمين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله؛
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على المبعوث هدىً ورحمةً للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثره إلى يوم الدِّين.

أيها المومنون؛ يقول الإمام مالك رحمه الله:«لا يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ بما صلح به أولها» [4]
وهذه نصيحةٌ من ذهبٍ لمن أراد أن يُصلح من شأنه، فقد وضع بها الإمام رحمه الله منهجاً لتصحيح المسار، وتسديد الدَّعوة والبلاغ، لكي يكُون على نهج السَّلف الصَّالح من هذه الأمَّة، فإذا أردنا أن نقتفي آثارهم، ونسلُك سبيلهم، فلا بُدَّ من التَّركيز على إصلاح النَّفس أولاً بالتَّزكية والتَّخلية من الشَّوائب، والتَّحلية بالفضائل والمكارم، لنكُون من المفلحين كما قال الحقُّ سبحانه بعد أن أقسم ببعض مخلوقاته في سورة الشَّمس:﴿قَدَ اَفْلَحَ مَن زَكَّيٰهَا ٩ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّيٰهَاۖ﴾ [5]

والتَّزكية، عباد الله، إنَّما تكون بالإيمان العميق، القاضي باستحضار المعيَّة الرَّبانية للعبد، والباعث على أن لا يراك الله حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيث أمرك. وذلك هو لُبُّ التَّقوى، وإكسير العمل والسُّلوك، المورث للطمأنينة والرَّاحة الباطنية، والشُّعور بلذَّة الطَّاعة والعبادة، والسُّمو عن سفاسف الأمور ومساويها، والاستشراف إلى محاسنها ومعاليها، فيحبُّه الله تعالى ويكفيه همَّه كما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم:«إنَّ الله كريم يحبُّ الكرم، ويحبُّ معالي الأخلاق ويكره سَفْسَافَها» [6]

ألا فاتَّقوا الله، عباد الله، وصلُّوا وسلِّموا على النَّبي الأمين، فاللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنَّك حميد مجيد.

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصَّحب أجمعين خصوصا الأنصار منهم والمهاجرين.
وانصر اللهم عبدك الخاضع لجلالك وسلطانك، المعز بتأييدك وامتنانك، مولانا أمير المومنين، جلالة الملك محمد السَّادس، نصراً تعز به الدِّين، وترفع به رايته إلى يوم الدِّين، اللهم احفظه بما حفظت به الذِّكر الحكيم، وأقرَّ عين جلالته بصاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، مشدُود الأزر بشقيقه السَّعيد، الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشَّريفة، إنك سميع مجيب الدعوات.
وارحم اللهم الملكين الجليلين مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك.
وارحم اللهم آباءنا وأمهاتنا وسائر موتانا وموتى المسلمين، واختم لنا بما ختمت به لأوليائك وأصفيائك من عبادك الصَّالحين.
ربَّنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين؛
ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربَّنا إنَّك رؤوف رحيم؛
ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين؛
ربنا آتنا في الدُّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النَّار، سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفُون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.

المراجع:

[1] سورة الجمعة:2
[2] سورة النازعات 40-41
[3] سورة الحشر الآية 9
[4] شرح صحيح ابن خزيمة:(9/22)
[5] سورة الشمس: 9-10
[6] رواه الطبراني في الكبير / رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 11400

Comments