خطبة حول التحذير من مفسدات الحج - في اطار تسديد التبليغ

خطبة حول التحذير من مفسدات الحج - في اطار تسديد التبليغ


بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة منبرية في موضوع: «التَّحذير من مُفسدات الحجِّ»

خطبة حول التحذير من مفسدات الحج - في اطار تسديد التبليغ


الخطبة الأولى

 الحمد لله الذي أمر عباده بحجِّ بيته الحرام، ونهاهم عن كلِّ ما يُفسد حجَّهم من الجدال، والرَّفث، والفُسوق وسائر الآثام، نحمده تعالى حمد الشَّاكرين لنعمه وآلائه، ونشكره على ما أولانا بمحض فضله من جزيل عطاياه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من قال ربِّيَ الله ثمَّ استقام، ونشهد أنَّ سيدنا محمداً عبد الله ورسوله المجتبى ليكون للنُّبوات مِسك الختام، صلَّى الله وسلَّم عليه ما لبَّى مُلبٍّ أو كبَّر مكبِّرٌ في المشاعر العظام، وعلى آله الطَّيبين بدور التَّمام، وصحابته الأصفياء نجوم الاقتداء والأئمة الأعلام، ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدِّين.
 أمَّا بعد؛ فيا أيها الإخوة والأخوات في الإيمان، يقول النَّبي ﷺ: "الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌّ إلا الجنَّة"، فقالوا يا نبيَّ الله؛ ما برُّ الحجِّ المبرور؟ قال: "إطعام الطَّعام وإفشَاءُ السَّلام"[1].

عباد الله؛ يعدُّ هذا الحديث النَّبوي الشَّريف أرجى حديثٍ في فضل الحجِّ وثوابه، وهو الذي يُفضي بصاحبه إلى الجنَّة شريطة أن يكون حجه حجاً مبروراً، وبُرور الحجِّ إنما يكون بالإخلاص والبُعد عن الرِّياء والخلو من المعاصي والآثام وسائر المنهيات التي تفسد أجر وثواب الحاج، والتي لا تُبقي لصاحبها إلاَّ التَّعب.
 فلخَّص النَّبي ﷺ معنى الحجّ المبرور في كلمتين جامعتين: إفشاء السَّلام على النَّاس، وإطعامُ الطعام، وهما خصلتان عظيمتان في التَّعامل مع النَّاس في موسم الحجِّ وفي غيره من الأيام. فيحترزُ الإنسان بهذا المعنى من آفات اللسان، وفُضول الكلام، ويتحلَّى بمكارم الأخلاق من الجود والانفاق، ويمتنع عن منافاتها من البُخل والشُّح والطَّمع.
 ولئن كان الحثُّ من النَّبي ﷺ على إفشاء السَّلام وإطعام الطعام في الحديث السَّابق، فقد جاء النَّهي في كتاب الله تعالى عن كلِّ ما يناقضُ هذا القصد العظيم. قال الله تعالى: ﴿ اِ۬لْحَجُّ أَشْهُرٞ مَّعْلُومَٰتٞۖ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ اَ۬لْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِے اِ۬لْحَجِّۖ﴾[2]،
 فالرَّفث، والفُسوق، والجِدال من مفسدات الحجِّ، ومفسدات القُلوب التي تشغل الحاجَّ وغير الحاج عن حقيقة الإيمان، وتنهار بها العلاقات الاجتماعية بين النَّاس وتقضي على الودِّ بينهم، ويَحيدُ الحاجُّ بسببها عن إدراك مقاصد التَّجرد والتَّوحيد، فينحصر الأمر عنده في المظهر دون المخبر، وينسى التَّجرد من كل سلوك يفسد عليه حجَّه، والحال أنَّ عليه مجاهدة نفسه سواءً كان حاجّاً أو غير حاجٍّ، ويتحلَّى بما يليق بشرف العبادة ومكانها وزمانها، من آدابٍ وأخلاقٍ تُحقِّق له ثمرات الحجِّ وحِكمه.
 قال رسول الله ﷺ: « من حَجَّ لله فلم يرفُث، ولم يَفسُق، رجعَ كيوم ولدَته أمُّه » [3].
 وهذا الحديث يبرز لنا معنى عظيماً في عبادة الحجِّ، ذلكم أنَّ الله تعالى جعله للذِّكر والتَّحلي بصالح الأخلاق، وتطهير القلب من الشَّوائب والأدران، حتى شبَّه النَّبي ﷺ كلَّ مُوفَقٍ في هذا المقام بما عليه حال الصَّبي يوم ولادته من أخلاق الفطرة وصفائها.

 عباد الله؛ إنَّ من المعلوم شرعاً أنَّ الحجَّ عبادةٌ بدنيةٌ وماليةٌ، فأمَّا كونُه عبادة من جهة البدن؛ فبإقامة الأركان، وحفظ الجوارح، والتَّحلي بصالح الأخلاق، وأمَّا كونُه عبادة من جهة المال؛ بالجود في إنفاقه في سبيل الله، وتحري الكسب الحلال فيه، لقول النَّبي: «إنَّ الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً»[4].
وكما قال الشَّاعر:
إذا حَجَجْتَ بِمالٍ أصـــــــــلُهُ دنَسٌ * فَمَا حَجَجـْـتَ ولكنْ حَجَّتِ العِيـــرُ
لا يَقبـلُ اللهُ إلاّ كـــلَّ طَيِّبَـة ٍ *  
 فَدِينُنا الحنيف يربِّينا على إصلاح الحال، وعلى تَحري الكَسب الحَلال الذي يُجنبنا الوقوع في آفة الظُّلم، والغشِّ، وأكل أموال النَّاس بالباطل.
 ألا فاتَّقوا الله عباد الله، ووطِّنوا أنفسكم على فعل الخير في سائر الأحوال، ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَالتِے نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنۢ بَعْدِ قُوَّةٍ اَنكَٰثاٗ﴾[5].
 نفعني الله وإيَّاكم بالقرآن المبين، وبحديث سيِّد الأولين والآخرين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

الخطبة الثانية

 الحمد لله ذي الحول والقُّوة، المتفضل على عباده بجزيل النِّعم قبل أن يسألوها، المجزي عن الأعمال بمجرَّد نِيَّةِ الهمِّ بها قبل أن يعملوها، والصَّلاة والسَّلام على نبي الهُدى والرَّشاد، سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه إلى يوم التَّناد.

 عباد الله؛ من الأسباب المفسدة لأجر الحجِّ، والمفسدة للعلاقات الاجتماعية: الأنانية والإفراط في حبِّ النَّفس، فيحتاجُ النَّاس معها إلى صبرٍ كبيرٍ يضيفونه إلى صبرهم، ويحتاج الحاجُّ على وجه الخُصوص إلى صبرٍ أكبر من ذلك، حتى لا يقع في محظور الشَّرع بما يجده من أذى عند الآخر.
إنَّ خلُق الصَّبر خلقٌ نبيلٌ، فهو مفتاحُ كلِّ شِدَّة، وطريقُ كلِّ فرجٍ، والغضب خلقٌ ذميم، فهو مفتاح كلِّ شرٍّ، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رجلاً قال للنَّبي ﷺ: أوصني،قال: «لا تغضب» فردَّد مراراً، قال: «لا تغضب»[6].
 وروي عنه كذلك قوله ﷺ: "ليس الشَّديد بالصُّرعة - أي القويُّ الذي يصرع النَّاس- إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغضب"[7].
ممَّا يدلُّ على أنَّ الخير كلَّه في ترك الغَضب وامتلاك زمَام النَّفس في سائر الأحوال.

 عباد الله؛ إنَّ إحسان العباد في أداء مناسك الحجِّ، وعُموم الطَّاعات فيه تعظيمٌ لله تعالى، وتعظيم الله تعالى هو سبيل المؤمن إلى التَّقوى، لقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُّعَظِّمْ شَعَٰٓئِرَ اَ۬للَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَي اَ۬لْقُلُوبِۖ﴾[8].
 فباستقامةِ القلب تستقيمُ الجوارح، وباستقامةِ الجوارحِ يظهر الصَّلاح بين العباد، وهو مطلوبٌ شرعاً لبلوغ الحياة الطَّيبة التي وعدنا الله بها.

 جعلني الله وإيَّاكم ممَّن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، هذا وصلُّوا وسلِّموا على سيِّدنا محمد معلِّم النَّاس الخير، اللهم صلِّ وسلِّم على سيِّدنا محمد كلما ذكرك وذكره الذَّاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون، وارض اللهم عن الخلفاء الرَّاشدين المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصَّحابة أجمعين، خصوصاً الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التَّابعين لهم بإحسان في كلِّ وقت وآن.
 
وانصر اللهم عبدك الخاضع لجلالك وسلطانك مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السَّادس نصراً عزيزاً تعزُّ به الدِّين، واحفظه اللهم بحفظ كتابك، وأقرَّ عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشدَّ أزر جلالته بشقيقه السعيد صاحب السُّمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشَّريفة.
 وارحم الله بواسع رحمتك الملكين الجليلين، مولانا محمداً الخامس، ومولانا الحسن الثَّاني، اللهم طيِّب ثراهما، وأكرم مثواهما في مقعد صدق عندك، وارحم اللهم آباءنا وأمهاتنا وسائر موتانا وموتى المسلمين، اللهم واشف مرضانا ومرضى المسلمين، واغفر اللهم للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنَّك قريب سميع مجيب الدَّعوات.

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنَّا شرَّ ما قضيت، فإنَّك تقضي ولا يقضى عليك، إنَّه لا يذلُّ من واليت، ولا يعزُّ من عاديت، تباركت ربَّنا وتعاليت، اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وسائر المسلمين.
 ربَّنا واجعلنا مُسلمَيْنِ لك، ومن ذريَّتنا أمَّة مسلمةً لك، وأرنا مناسكنا، وتُبْ علينا، إنَّك أنت التَّواب الرَّحيم.
 ربَّنا آتنا من لدُنك رحمةً وهيء لنا من أمرنا رشداً.
 ربنا آتنا في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النَّار.
 سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.[1] - مسند الإمام أحمد من حديث جابر مرفوعا رقم: 14482. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 13079

المراجع

[2] - سورة البقرة، الآية: 196.
[3] - صحيح البخاري باب فضل الحج المبرور برقم: 1521. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 2161
[4] - صحيح مسلم، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها برقم: 1015. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 1505
[5] - سورة النحل، الآية: 92.
[6] - صحيح البخاري كتاب الأدب باب الحذر من الغضب، برقم: 6116. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 4471
[7] - المصدر نفسه، برقم: 6114. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث الشريف: 5807 و 4470
[8] - سورة الحج، الآية: 30
Comments